مصفوفة التحقق من الصور الرقمية.

مصفوفة التحقق من الصور

إعداد: حزم المازوني

بعد أن استعرضنا المبادئ النظرية الأساسية للتحقق من الصور الرقمية في المقالات السابقة، حان الوقت للانتقال إلى التطبيق العملي. في عالمنا الرقمي المتسارع، حيث تنتشر الأخبار المضللة والصور المفبركة بسرعة هائلة، أصبح التحقق من صحة الصور مهارة ضرورية لكل صحفي ومدقق معلومات. ها هي الآن الصورة بين يديك، كيف يمكنك التأكد من أنها حقيقية ولم يتم التلاعب بها؟
لضمان دقة التحقيق، سنعتمد على “مصفوفة التحقق من الصور الرقمية”، وهي أداة منظمة تساعدنا على طرح الأسئلة الصحيحة بالتسلسل الصحيح. هذه المصفوفة سترشدنا خطوة بخطوة خلال عملية التحقق، بدءًا من تحديد مصدر الصورة وصولًا إلى تحليل تفاصيلها البصرية.

مصفوفة التحقق من الصور الرقمية.

في الواقع أنت أمام احتمالين اثنين. فإما أن تكون الصورة محل التحقق منشورة مسبقاً على الانترنت. أو أنها صورة جديدة يجب عليك التحقق منها قبل النشر. وهذا هو السؤال الأول الذي يجب عليك الإجابة عليه.

1. هل الصورة محل التحقيق منشورة على الإنترنت أم لا؟

هذا السؤال البسيط هو مفتاح لبقية عملية التحقيق، حيث سيحدد طريقة تعاملك مع الصورة ونوع الأسئلة التي ستطرحها لاحقًا. ، فإذا كانت الصورة منشورة على الانترنت، فهل لديك رابط الصفحة التي نشرت فيها؟ وما هو السياق الذي نٌشرت فيه؟ ومن الذي نشرها؟ هل هو مصدر موثوق؟ هل يمكنك التواصل معه للتأكد من بعض المعلومات؟
أما إذا كانت الصورة غير منشورة على الإنترنت، فعليك طرح بعض الأسئلة الأخرى. كيف وصلت هذه الصورة إليك؟ وما هو السياق العام لهذه الصورة؟ كيف التقطت وأين التقطت ومن المصور وهل يمكنك التواصل معه؟
هل لهذه الصورة خصوصية ما؟ بمعنى هل يمكنك إجراء بحث عكسي عنها على الإنترنت أم لا يُقضل فعل ذلك!. أنت تعلم بالطبع أنك إذا قمت ببحث عكسي عن صورة ما على الإنترنت فمحركات البحث ستحتفظ بنسخة عنها على سيرفراتها، يعني ذلك أنك تقوم بمشاركة هذه الصورة مع جهة ثالثة، وقد ينطوي ذلك على بعض المخاطر المحتملة أو إفشاء أسرار. عليك التفكير جيداً بهذا الأمر والتشاور مع مالك الصورة أو رئيس التحرير في مؤسستك حول هذه النقطة.

2. ما هو اسم ملف الصورة، هل هناك أي شيء غير عادي أو غير متوقع فيه؟

هناك نظام افتراضي تستخدمه الأجهزة المختلفة لتسمية الصور التي تنتجها. في الواقع اسم الصورة ينبئك بأشياء كثيرة ويمكن أن يساعدك في توجيه عملية البحث وتضييق نطاقه.
على سبيل المثال، إذا كان اسم الصورة عبارة عن أرقام على شاكلة (۰ – ۱ – ۲ – ۳ – ٤ – ٥ – ٦ – ٧ – ۸ – ۹) فهذا ينبئك أن الجهاز الذي أنتج الملف مملوك من شخص عربي.
الصور القادمة من موقع فيس بوك لها أيضاً طابع محدد:
455764024_10234685385574979_6301463079824975727_n.jpg
لاحظ أنها تتألف من أربع مقاطع وآخرها حرف n دائماً.
بعض الأجهزة تستخدم التاريخ والوقت: المقطع الأول هو التاريخ والمقطع الثاني هو الوقت
20231231_153025.jpg
أو تستخدم رقم تسلسلي: IMG_001.jpg، IMG_002.jpg
أجهزة أخرى تستخدم مزيج من الاثنين: DSC_0123_20231231.NEF
للأسف لا يوجد مرجع واحد يمكنك أن تجد فيه الشكل الافتراضي للشركات المختلفة لتسمية الصور. لكن عندما يكون اسم الصورة على شكل التاريخ والوقت تحديداً، فعليك الانتباه إلى ذلك ومقارنته بالبيانات الوصفية للصورة. الاختلاف في التاريخ والوقت بين اسم الصورة وما هو محفوظ في البيانات الوصفية يعني أن الصورة قد تم تعديلها وعليك أن تكتشف كيف.
تنسيق ملف الصورة يعني الكثير أيضاً. فإذا كانت الصورة من نوع webp فهذا يؤكد لك أن ما بين يديك ليست النسخة الأصلية للصورة. فهذا النوع من الصور يستخدم في مواقع الانترنت. فإما أن تكون الصورة قد تم تحويلها إلى هذا النوع، أو أنها تم توليدها باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
أما الصورة من نوع jpg او jpeg، فهناك احتمال كبير بأن تكون هي الصورة الأصلية، وهنا ستنتقل إلى تحليل بيانات الصورة البصرية والبيانات الوصفية للتأكد من إمكانية التلاعب بها.
في المقال: أنواع ملفات الصور والبيانات الوصفية، كيف تساعدك في عمليات التحقق. يمكنك الحصول على معلومات وتفاصيل أكثر عن تنسيق ملفات الصور ومعناه.

3. هل تحتفظ الصورة بالبيانات الوصفية (Metadata)؟

جزء مهم من عملك على التحقق من الصورة هو قراءة البيانات الوصفية للصورة. هناك عدة أدوات يمكنك استعمالها لهذا الغرض يمكنك الاطلاع عليها وتعلم كيف تستخدمها في هذا المقال هنا. لكن كن حذراً فبعض هذه الأدوات التي تعمل عبر المتصفح تقوم بتحميل الصورة على سيرفرات الشركة المقدمة للخدمة. قد يتعارض ذلك مع متطلبات الخصوصية والأمان المتعلقة بعملك أو بالصورة نفسها.
خذ نسخة من البيانات الوصفية للصورة واحفظها في ملف نصي منفصل لانك ستحتاج إلى مطابقتها مع نتائج التحليل النقطي للصورة.
من البيانات الوصفية يمكنك أن تعرف ما هو الجهاز المستخدم لالتقاط الصورة؟ (كاميرا أم هاتف ذكي). متى وأين تم التقاط الصورة؟ (بعض الكاميرات والهواتف الذكية تخزن إحداثيات GPS لموقع التقاط الصورة). ما هي إعدادات الكاميرا المستخدمة؟ (فتحة العدسة وحساسية المستشعر وسرعة الغالق). هل هناك أي تناقضات في البيانات الوصفية؟ (إذا كان اسم الملف عبارة عن تاريخ ووقت التقاط الصورة، فهل يتطابق مع البيانات الوصفية؟ لاحظ أيضاً أن جميع برامج تحرير الصور تقوم بتخزين وقت عمليات التعديل على الصورة في البيانات الوصفية.
نقطة مهمة يجب أن تأخذها بعين الاعتبار، وهي أن البيانات الوصفية يمكن تعديلها وإضافة معلومات جديدة إليها كاسم المالك أو المصور بالإضافة إلى شروط الإستخدام وحقوق النشر وغيرها. ذلك يعني أن البيانات الوصفية ليست أدلة قطعية مطلقة إنما معلومات استرشادية أولية.

4. تحديد الغرض من الصورة.

الآن بإمكانك النظر إلى محتوى الصورة البصري لفهم ما هو الهدف من نشر هذه الصورة؟ هل هي لتوثيق حدث ما لتقديم معلومات، أو للتعبير عن رأي، أم للتسويق؟
ما هو السياق الذي ظهرت فيه الصورة لأول مرة؟ هل كانت مصحوبة بتعليق أو وصف؟ هل هذا التعليق أو الوصف متسق مع الصورة؟ إذا كان الناشر يصرح أن هذه الصورة التقطت في مكان معين فيمكنك التأكد من المكان باستخدام خرائط Google ومشاهدة المكان عبرة ميزة Street View. إن لم تجد مشاهد للمكان بهذه الطريقة، يمكنك البحث عن أسم المكان والضغط على خيار صور في محرك البحث فقد تجد صور أخرى لذات المكان لمقارنتها مع ما بين يديك.
هل تتوافق الصورة مع السياق الذي نشرت فيه؟ من أين حصلت على هذه الصورة؟ هل هي من مصدر موثوق؟ هل تم تحميلها على منصة إخبارية مرموقة، أم أنها انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي؟ ما هي الأحداث الجارية التي تتعلق بالصورة؟ ما هي الآراء ووجهات النظر المختلفة حول هذا الحدث؟ من هم المستفيدون من نشر هذه الصورة؟

5. ماذا عن المكونات البصرية في الصورة؟

قم بتكبير الصورة ودقق النظر في عناصرها هل هناك أي دليل على أن الصورة قد تم التلاعب بها أو تعديلها؟ ابحث عن أي علامات واضحة للتلاعب مثل القص واللصق أو تغيير الألوان. أنظر إلى الأصابع والعيون والأذنين، وأقسام الجسم. هل تظهر بشكل طبيعي أم أن هناك تشوهات أو عدم تناسق ما، كخطوط الشعر الشعر أو شكل الأظافر.
نحن نعلم أن الضوء يسير بخط مستقيم، هذا يعني أن ظلال عناصر الصورة يجب أن تكون جميعها متسقة. إلا إذا كان هناك بناء زجاجي يمكن أن يعكس الضوء أو أن المصور استخدم أضواء متنقلة للسيطرة على الظلال في المكان.
أنظر إلى الأشخاص، الأماكن، الأشياء الأبنية والخطوط المستقيمة والمنحنية في المكان. هل يبدو كل شيء طبيعياً أم أن هناك تشوهات ما تنبئك بتلاعب ما؟
أنظر بتمعن. هل توجد لافتة عليها كلمات أو أحرف؟ ماذا تعني هذه المعطيات؟ هل يمكنك البحث عنها بشكل منفصل؟ هل توجد شعارات ما في الصورة؟ ما هي وهل يمكنك البحث عنها بشكل منفصل؟ بم يمكن أن تفيدك هذه المعلومات؟ هل يمكن أن توجهك إلى موقع لشركة أو مؤسسة ما، تساعدك في تضييق نطاق البحث؟
هل تتطابق الألوان والإضاءة في الصورة وتتسق مع الظروف المحيطة والبيانات الوصفية الخاصة بالإضاءة ومعدل حساسية مستشعر الضوء وسرعة الغالق؟. يمكنك فهم جميع هذه التفاصيل التقنية في هذا المقال الخاص هنا.
في الكثير من الأحيان تفحص الصورة بصرياً بشكل دقيق يظهر لك مؤشرات مهمة على التلاعب بالصورة.
في الصورة التالية يمكنك من نظرة متفحصة ملاحظة أن خط تصفيف الشعر ينقطع في وسط الرأس من الأعلى ولا يبدو متسقاً مع بقية الشعر وتبدو الجديلة اليمنى بارزة بشكل غير طبيعي وتتقاطع مع خط تصفيف الشعر في وسط الرأس. وإذا نظرت إلى عظم الترقوة الأيمن ستلاحظ أنه يبدو غريباً ومشوهاً قليلاً. هذا يؤكد لي أن الصورة تم توليدها باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي. وللقطع في ذلك يمكنك قراءة البيانات الوصفية للصورة ومشاهدة التلقيم الذي تم توليد الصورة باستخدامه وحتى إسم نموذج الذكاء الاصطناعي الذي قام بتوليدها.


6. البحث عن الصورة عبر الإنترنت.

يمكنك القفز في عملية التحقق إلى هذه النقطة في حال كانت الصورة التي بين يديك منشورة مسبقاً على الانترنت والبدء بإجراء بحث عكسي عنها للتأكد فيما إذا كان بإمكانك العثور على الصوره في أماكن أخرى على الإنترنت والحصول على معلومات إضافية عنها؟
في هذه الحالة أنصحك بقراءة هذا المقال الخاص: واحدة من أفضل أدوات البحث العكسي عن الصور. جربها ولن تندم.
بالتأكيد سأنصحك في هذه الحالة بالبحث العكسي عن الصورة عبر جميع محركات البحث المتوفرة ومحاولة تتبع التاريخ الزمني للصورة باستخدام محرك بحث tineye والتأكد من تاريخ نشر الصورة الأقدم.

7. التحقق باستخدام الأدوات الخاصة.

في معظم الحالات بإنجازك لجميع الخطوات السابقة ستصل إلى أدلة قطعية حول محتوى الصورة. لكن أحيانا قد لا تصل لأي شيء. وهنا يأتي دور الأدوات الخاصة التي تساعدك في تحليل الصورة نقطياً عن طريق استكشاف البصمة الرقمية ومستويات الضجيج في الصورة والتباين اللوني والعلامات المائية الخفية وحتى النسخ واللصق الذي لا يمكن ملاحظته بالعين المجردة وما إلى ذلك من الأمور التقنية جداً.
هذه العملية تحتاج لخبرة جيدة في استخدام هذه الأدوات وفهم للنتائج، لذلك سأخصص لها مقالاً قادماً منفصلاً نتعرف فيه على خطوات العمل بهذه الأدوات بشكل عملي وبالتفصيل.

ختاماً

إذا لم تتمكن من الوصول إلى نتيجة حاسمة، فأنصحك باستشارة خبير في مجال التحقق من الصور أو في المجال الذي تتعلق به الصورة. فعلم التحقق من الصور يتطور باستمرار ومن المفيد جداً بناء علاقات مع الخبراء فيه وتبادل المعارف والخبرات مع الزملاء.

يمكنكم متابعتة صفحتنا على فيس بوك للاطلاع على كل جديد حال نشره Facebook.

يسعدنا أن نسمع آرائكم حول أداء الموقع والمواد المنشورة فيه عبر الاستبيان هنا