مدخل إلى علم التحقيق الجنائي في الصور الرقمية وكشف التزييف والتلاعب.

صورة تعبيرية تمثل الصحفي خلال عمله في التحقق من الصور. تم توليدها باستخدام ادوات الذكاء الاصطناعي

إعداد: حزم المازوني

في فورة أدوات الذكاء الاصطناعي التي نشهدها حالياً أصبح التحقق الجنائي من الصور مهارة ضرورية لكل صحفي أو مدقق للمعلومات أو ناشط في مكافحة اضطراب المعلومات، خصوصاً مع تزايد الاعتماد على الصور الرقمية في مختلف المجالات، من الإعلام والصحافة إلى القضاء والتجارة الإلكترونية.
ولأن الصور تلعب دوراً هاماً في نقل الأخبار والأحداث لا بد لنا كصحفيين من إتقان مهارات تحليل الصور الرقمية بدقة متناهية بهدف تحديد صحتها وأصالتها، والكشف عن أي عمليات تلاعب أو تعديل قد طرأت عليها، من خلال تطبيق مجموعة من التقنيات والأساليب العلمية لتحليل بنية الصورة وبياناتها الوصفية، ومقارنتها بمعايير محددة ومعروفة.
وأعتقد جازماً عزيزي القارئ أنك تعي أهمية هذا النوع من التحليل في العديد من المجالات، مثل الصحافة، والقانون، والتجارة الإلكترونية. فالتزييف الرقمي يمكن أن يؤدي إلى انتشار الأخبار المضللة، وتشويه السمعة، وحتى ارتكاب جرائم.
ولكي تصبح محققاً جيداً في الصور الرقمية لابد لك من تعلم مهارات وخبرات متخصصة في مجالات مثل علوم الكمبيوتر، والتصوير الفوتوغرافي، والقانون. ثم إتقان استخدام العديد من الأدوات والبرامج المتاحة لتحليل الصور الرقمية بحذر وبشكل صحيح.
قد تستغرب قولي بوجوب استخدام هذه الأدوات بحذر وبشكل صحيح. لا تقلق سأنبهك إلى المحاذير في وقتها خلال هذا المقال والمقالات التالية.

مهارة التصوير ضرورة وليست رفاهية للمحقق الرقمي في الصور.

لابد لكل محقق جنائي ناجح في الصور الرقمية من الإلمام الجيد بعلم التصوير الرقمي ومبادئه. والبداية طبعاً تكون من فهم ما هي الصورة الرقمية.
كتعريف بسيط للصورة الرقمية يمكننا أن نقول أنها تمثيل رقمي لصورة حقيقية، حيث يتم تحويل الضوء المنعكس من الأجسام إلى أرقام يتم تخزينها في ذاكرة الكاميرا أو الهاتف الذكي. وهذه الأرقام تحدد لون كل نقطة (Pixel) في الصورة.
أعتقد جازماً أنك لاحظت أنه عند تكبير أي صورة رقمية، تظهر لك أن الصورة مكونة من مربعات ذات ألوان مختلفة. هذه المربعات هي بالضبط النقاط اللونية التي تسمى (Pixel) ولذلك تدعى الصور الرقمية بالرسوميات النقطية. لأنها ببساطة تتكون من نقاط لونية.
ولابد أنك تعرف أن الـ (Pixel) هذا موجود أيضاً في جميع أجهزة العرض (الشاشات) وجميع مستشعرات الصورة الـ (Sensor) في الكاميرات . وكلما زاد عدد الـ (Pixel) في أي جهاز كلما كانت قدرته على التقاط أو عرض الصورة بدقة أكبر. أما بالنسبة للصورة الرقمية فكلما زاد عدد الـ (Pixel) فيها فهذا يعني أنها تحتوي على معلومات أكثر عن الألوان وتدرجاتها في الصورة.
لكن من الضروري أن تعرف أن دور الـ (Pixel) ليس واحداً في كل مكان. ففي الصورة هو خلية ذاكرة يتم تخزين بيانات عن اللون فيها. بينما في الشاشة هو خلية ضوئية قادرة على إنتاج الضوء بألوان مختلفة. أما في مستشعر الكاميرا فهو خلية استشعار تقوم بالتقاط الضوء بلون معين وتحوله إلى بيانات رقمية يمكن تخزينها في الذاكرة.
إذن الصورة الرقمية هي ملف رقمي يحوي بيانات تصف لون كل خلية لونية (Pixel) في الصورة، وتحوي أيضاً البيانات الوصفية للصورة كالتاريخ ووقت التقاط الصورة، ونوع الكاميرا المستخدمة، وإعدادات الكاميرا (الفتحة، سرعة الغالق، ISO)، وأبعاد الصورة، وغيرها من المعلومات الاساسية عن الصورة.
لا بد من التنويه هنا إلى أن معظم الكاميرات الحديثة تقوم بتخزين بيانات وصفية عن كل صورة تلتقطها في ملف من نوع XML، يساعد هذا الملف المصور في أمور كثيرة كالتنظيم والفرز والتصنيف ومعرفة إعدادات الكاميرا لكل صورة التقطها.


المهارات الضرورية في التصوير للمحقق الرقمي في الصور.

في عالم اليوم يمكننا تصنيف الصور إلى نوعين بناء على البيئة التي تم إنشاء الصورة فيها.
1. الصور المُخطط لها.
وهي جميع الصور التي تم التقاطها في بيئة يتحكم بها الإنسان أو الآلة بشكل كامل أو جزئي، كالصور التي يتم التقاطها في استوديوهات التصوير وصور الأشعة المقطعية لجسم الإنسان والصور المولدة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي.
جميع هذه الصور يتم إنشاؤها في ظل تحكم كامل بالإضاءة والخلفية وجميع العناصر المتواجدة في المكان. يقوم المصور في هذه الحالة بتصميم المشهد وعناصره ويتحكم في شدة الإضاءة أو لونها ليحصل في النهاية على صورة تطابق تماماً ما خطط له.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن استخدام الأضواء الاصطناعية (الفلاش)، أو المتنقلة حتى بدون تغيير مكونات المكان، كالتصوير باستخدام أضواء متنقلة في الطبيعة، يجعل الصورة مُخطط لها. فهذه الأضواء تغير من زاوية سقوط الضوء الطبيعي وكميته على العناصر في الصورة.
2. الصور العفوية.
وهي جميع الصور التي يتم التقاطها بدون تخطيط مسبق، ولا يتحكم المصور في أي من عناصر الصورة في المكان. يضبط المضور بعض الإعدادات في الكاميرا. يوجه عدسته إلى الهدف ويضغط على زر التصوير ليلتقط الصورة.
وبالتأكيد هناك بعض القواعد التي يجب على المصور اتباعها في جميع الحالات. إلا أن هذه القواعد لا تغير من واقع المكان ولا تتحكم بكمية الضوء أو لونه أو عدد مصادر الضوء في الصور العفوية.
لكي تكون محققاً جيداً للصور الرقمية، يجب أن يكون لديك فهم أساسي لأساسيات التصوير. هذا يعني معرفة كيفية عمل الكاميرا، وكيف تؤثر الإضاءة والزاوية على الصورة، وكيف يمكن للظلال والأضواء أن تكشف عن التلاعب بالصورة.
قد يتسائل القراء الأعزاء الآن لماذا احدثهم عن هذه التصنيفات؟
في الواقع، يساعدنا فهم هذه التصنيفات على تقييم أصالة الصور. فالصور المخطط لها يزداد احتمال كونها مضللة أو متلاعب بها، على الرغم من أن ذلك ليس شرطاً حتمياً، فقد يكون التخطيط للصورة هدفه جمالي بحت ليس إلا. كما في صور الأشخاص في الاستوديو على سبيل المثال.
من جانب آخر نستطيع القول أن جميع الصور العفوية تملك طابعاً خاصاً بها. فزاوية سقوط الضوء والظلال في الصورة يجب أن تكون متسقة بين جميع العناصر في الصورة، ورصدك لأي خلل في هذه المكونات قد ينبئك بتلاعب ما تم على الصورة. على الرغم من أن ذلك قد لا يكون شرطاً حتمياً يؤكد وجود التلاعب، فالخلل في زاوية سقوط الضوء أو زاوية سقوط الظل قد يكون بسبب وجود عنصر ما عاكس للضوء قريب من الجسم الذي تشتبه به. وجود مرآة كبيرة أو واجهة بناء زجاجي كبير ستغير حتما من زاوية سقوط ضوء الشمس. بالتأكيد سنتطرق إلى جميع هذه التفاصيل بشرح وافٍ في المقال التالي.

قم بالبحث على Google عن image shadow remover لاحظ أن هناك تقنيات متعددة لتعديل الظلال في الصور. هذه أبسط عمليات التلاعب التي تهدف لتحسين الصورة. لكن يمكن استخدامها في عمليات التضليل أيضاً عند إضافة أو إزالة عناصر من الصورة.


تطور تقنيات التزييف الرقمي

تطورت تقنيات التزييف الرقمي بشكل كبير في السنوات الأخيرة. بدأت بعمليات بسيطة مثل القص واللصق مع برامج معالجة الصور، ثم تطورت إلى تقنيات أكثر تعقيداً مثل التلاعب بالألوان وتوليد الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي.
القص واللصق: هو أبسط أنواع التزييف، إذ يتم قص جزء من صورة ولصقه في صورة أخرى مع إجراء تعديل في طابع الألوان العام كي تتناسق الاجزاء مع بعضها البعض ويبدو المشهد وكأنه أصيل للمشاهد.
التلاعب بالألوان: يتم تغيير ألوان الصورة أو تباينها لتغيير المظهر العام للصورة. كثيراً ما يستخدم هذا النوع من التلاعب لإضفاء طابع جمالي خاص للصورة. ويمكن أن يستخدم بهدف التضليل. كتغيير لون سيارة في الصورة.
توليد الصور من خلال الذكاء الاصطناعي: تعتبر هذه التقنية هي الأحدث والأكثر تطوراً، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي توليد صور واقعية للغاية تبدو وكأنها حقيقية. في الآونة الأخيرة نشهد سيلاً جارفاً من الصور المصنوعة بهذه التقنية بهدف تضليل الجمهور ونشر المعلومات المغلوطة.

ختاماً

تصرف كمتخصص في التحليل الجنائي للصور الرقمية. بالنسبة لي كل صورة تقع بين يدي هي صورة غير أصيلة ومهمتي هي إثبات عدم وجود أي تلاعب بها. قد تجد هذا القول متشدداً كثيراً. حسنا، دعني أوضح لك وجهة نظري.
عند التقاط أي صورة. يتم تخزينها في ذاكرة الجهاز الذي التقطها. هذه الصورة هي النسخة الأصلية الأم. وإذا كان صاحب الصورة نزيها ورفعها كما هي دون أي تعديل على موقع ما، فالذي سنشاهده نحن جميعاً هو صورة طبق الأصل عن النسخة الأم.
عليك أن تعرف أيضاً أن بعض المواقع تقوم بشكل آلي بالتلاعب بالصور كالإضاءة وحدة الألوان وغير ذلك بهدف منحها بعض اللمحات الجمالية. إذن عندما نشاهدها نحن، سنشاهد حتما صورة تم التلاعب بها.
إذن التلاعب في الصورة موجود دائماً وعلينا كمحققين جنائيين في الصور، تحديد نوع التلاعب وتحديد ما هو المقبول منه وما هو المضلل، وهو ما سنأتي إليه في المقالات القادمة.

يمكنكم متابعتة صفحتنا على فيس بوك للاطلاع على كل جديد حال نشره Facebook.

يسعدنا أن نسمع آرائكم حول أداء الموقع والمواد المنشورة فيه عبر الاستبيان هنا