محركات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي. ما هي وكيف استخدمها في عملي.

محركات البجث المدعومة بالذكاء الاصطناعي

إعداد: حزم المازوني

تضع الكلمات المفتاحية في سطر البحث وتضغط مفتاح إنتر فتحصل على النتائج. هكذا اعتدنا على استخدام محركات البحث خلال السنوات الماضية. قد يختلف الشكل الخارجي لمجموعة النتائج بين محركات البحث المختلفة، إلا أن المبدأ العام واحد. قائمة من النتائج وردت فيها الكلمات التي بحثت عنها.
لكن المشكلة المزمنة في هذه الطريقة من البحث هي أن النتائج التي تحصل عليها عادة ما تكون كثيرة جداً وقد تصل في العدد إلى الملايين. الكثير منها غير مفيد لك وغير مرتبط بما تبحث عنه. فهذه المحركات لا تفهم ما يدور في عقلك عندما تبحث عن شيء ما إنما تعطيك النتائج بناء على الكلمات المفتاحية المؤرشفة لديها فقط.

أدوات البحث الذكية تُغرق السوق.

اليوم يمكنك أن تجد أداة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لفعل أي شيء تقريباً، ودخلت محركات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي على الخط، وتسمى ذكية لأنها تستعين بنماذج معالجة اللغة الطبيعية الضخمة لفهم ما يبحث عنه المستخدم. هذا يعني: أن محركات البحث الذكية أصبحت تفهم بشكل ما اللغة البشرية وتقوم بعملية البحث بناء على ذلك الفهم. هذا ما يدعيه مصنعو هذه المحركات عموماً.
تظهر مؤشرات هذا الفهم للمستخدم خلال عملية البحث. فمن المفترض أن تصل إلى ما تبحث عنه بسرعة وبدقة كبيرة وتقدم لك نتائج مخصصة لك تحديداً بناء على المعلومات التي جمعها وأرشفها النموذج الذكي عنك.
وعلى ذمّة مصنعيها. تستطيع هذه المحركات أو أدوات البحث فهم السياق والمعنى الكامن وراء الاستعلام، ويقدم نتائج بحث أكثر ملائمة. ولكونه نموذج لغوي يستطيع أيضاً التعامل مع استعلامات معقدة وأسئلة مفتوحة ويتعلم من تفاعل المستخدم معه لتحسين نتائج البحث باستمرار مع مرور الوقت وازدياد مرات الاستخدام.
وهنا يقفز السؤال المهم بالنسبة لمدققي الأخبار والمتحققين من المعلومات. هل نريد أن تكون نتائج البحث مكيّفة لنا تحديداً حسب سلوكنا أم نريد نتائج موضوعية وحيادية؟
هناك بضع نقاط سلبية أخرى مهمة في محركات البحث أو الأدوات الذكية. وهي: الهلوسة. قد تجد فجأة أن الرد ليس بذي صلة بموضوع البحث وستشعر بأن النموذج أصيب بالجنون حرفياً.
يجب أن تضع باعتبارك أن هذه الأدوات تعطي نتائجها بناء على بيانات تدربت عليها ويعتمد ذلك بقدر كبير على جودة بيانات التدريب. هذا يعني أن النتائج التي ستحصل عليها ليس بالضرورة حديثة العهد. فقد تكون النتائج من العام الماضي أو الذي سبقه، أي أن التطورات التي حدثت بعد ذلك لا يعلم عنها هذا النموذج الذكي وقد يشكل ذلك أهمية كبرى في عملك ولن تجدها ضمن نتائج البحث.
في غالب الأحيان، نتائج البحث تكون متحيزة تجاه الغرب، فلا بد أن تدرك أن حجم البيانات المنتج من الدول الغربية باللغة الإنجليزية هو الأكبر في قاعدة البيانات التي تتدرب عليها هذه النماذج.
في الكثير من الأحيان يكون من الصعب التحقق من مصادر المعلومات التي اعتمد عليها النموذج الذكي في تقديم المعلومات لغياب هذه المصادر. فأنت تحصل على رد لاستعلامك دون أي روابط تشير إلى المصادر التي جاءت منها هذه المعلومات وفي الكثير من الأحيان إذا وضع لك النموذج الذكي الروابط تكون بعيدة تماماً عن المعلومات التي قدمها لك، وهذا شكل من أشكال هلوسة النماذج الذكية.

تجربة عملية. محركات البحث التقليدية مقابل الذكية.

لنفترض مثلاً أنك قمت بالبحث عن “أفضل هاتف لتصوير الفيديو”
في محركات البحث التقليدية ستحصل على نتائج كثيرة بناء على هذه الكلمات المفتاحية. سترى جميع ما نُشر على الانترنت ويحوي كلمة أفضل وكلمة هاتف وكلمة تصوير وكلمة فيديو، ولا يُشترط اجتماع جميع هذه الكلمات معاً في ذات المنشور، أو حتى ورودها في المنشور بالتسلسل ذاته الذي استخدمته انت في شريط البحث.
الكثير من هذه المنشورات لن يكون له أي علاقة بتصوير الفيديو باستخدام الهواتف الذكية. فبعض المنشورات مثلا ستحوي كلمة أفضل لوحدها. أو لكلمة أفضل فيديو أو تصوير الفيديو أو أفضل هاتف. وليس بالضرورة أن يكون هاتف ذكي. قد يكون أفضل هاتف في عام 1970 مثلاً.
هذا لأن محركات البحث التقليدية تستخدم الكلمات التي أدخلتها في شريط البحث كدوال لعملية البحث. تقوم بمقارنتها بقاعدة البيانات التي تؤرشفها وتحدثها باستمرار وتقدم لك روابط المنشورات التي تحوي هذه الدوال بتطابق كلي أو جزئي.
يعني ذلك أن الكلمات التي تحوي مقاطع مطابقة للكلمات التي أدخلتها في شريط البحث والكلمات التي تحوي أحرف زيادة عن الكلمات التي أدخلتها ستكون ضمن نتائج البحث، وستجد منشورات تحوي: “الأفضلية” أو “أفضلية” و”الهاتف” و”هاتفي” و”التصوير” و”التصويري” و “الفيديوي” و”الفيديوهات”
بينما عند استخدامك للاستعلام السابق ذاته في محركات البحث الذكية. سيفهم المحرك أنك تبحث عن هواتف ذات كاميرات خلفية بمواصفات عالية وميزات خاصة بتسجيل الفيديو تحديداً، وسيقدم لك قائمة لمقارنة بين الهواتف التي تلبي هذه المعايير.
لكن المشكلة تكمن في أن هذه القائمة قد لا تكون محدثّة لتاريخ اليوم الذي قمت بالبحث فيه وتحوي فقط الهواتف التي صُنعت قبل عام أو عامين. ذلك لأن هذه الأداة لا تملك وصولاً فعلياً لحظياً لآخر ما نُشر على الإنترنت عن الهواتف إنما تقدم هذه النتائج بناء على البيانات التي تدربت عليها منذ عام أو عامين.

تحدي اللغة أمام محركات البحث الذكية وأدواتها.

نقطة مهمة أخرى يجب أن تأخذها بعين الاعتبار عند استخدامك محركات البحث الذكية وهي أنها لا تجيد اللغة العربية، إنما تقوم بترجمة استعلامك إلى الإنجليزية ثم إجراء عملية البحث في قاعدة البيانات التي تدرب عليها ويحصل على الرد ثم يترجمه إلى العربية ويقدمه لك.
هذا يعني أن دقة نتائج الاستعلام تعتمد بشكل كبير على دقة الترجمة ونوعها، فجميعنا نعلم أن السياق وتفاصيل المعنى قد تضيع في الكثير من الأحيان خلال عملية الترجمة خصوصاً إذا كانت الترجمة حرفية ولا تعتمد على أسلوب الترجمة السياقي المعتمد على المعنى.
تحديات اللغة هذه تبرز بشكل كبير عند ترجمة اللهجات المختلفة في اللغة العربية وتصبح أقرب إلى المشكلة عند ترجمة المصطلحات العلمية والفنية الدقيقة في القطاعات المتخصصة جداً. لذلك عليك دائماً استخدام المصطلحات المتخصصة باللغة الإنجليزية في النص العربي إن كنت تعرفها لكي تحافظ على دقة النتائج.

من المهم أيضاً الانتباه إلى أن دقة نتائج الاستعلام تعتمد بشكل كبير على صيغة الاستعلام أو (البرومبت). فأدوات الذكاء الاصطناعي تصنف المعلومات التي تدربت عليها على مستويات. المستوى الأكثر دقة من مصادر متخصصة والمستوى الأقل دقة من مصادر متنوعة.
ولذلك عليك الاستعلام عن أمر ما وطلب المعلومات من مستوى متخصص وستحصل على نتائج ذات دقة عالية ومن مصادر متخصصة. على سبيل المثال جرب الاستعلامين التاليين:
1. تصرف كمتخصص في الترجمة بخبرة 25 عاماً، ويجيد اللغة العربية والانجليزية لكونهما لغاته الأم. مهمتك هي ترجمة ما أطلبه منك من الانجليزية إلى العربية بأسلوب ترجمة سياقي يعتمد على الحفاظ على دقة المعنى بأقصى حد ممكن.
2. ترجم ما يلي إلى اللغة العربية.
بطبيعة الحال بعد كل استعلام عليك إضافة نص باللغة الإنجليزية لترجمته. اختر نصاً طويلاً بعض الشيء وستلاحظ الفرق.
تندرج الملاحظة الأخيرة على جميع نماذج الذكاء الاصطناعي عند استعلامك عن معلومات معينة. ابدأ دائماً بعبارة تصرف كمتخصص بخبرة 25 عاماً في …
مازال النقاش حول أدوات الذكاء الاصطناعي ساخناً ولن أتطرق إلى السلبيات الأخرى التي يجري النقاش حولها كأخلاقيات الاستخدام وتأثير هذه الأدوات على خصوصية المستخدمين والآثار الاقتصادية للنمو المتسارع وتكاثر هذه الأدوات، فهذه زوايا يمكنك الاطلاع عليها باستخدام أي محرك بحث تقليدي بنفسك.

ختاماً

مما سبق أرى شخصياً أن اعتماد مدققي المعلومات والمتحققين من الأخبار لا يمكنهم الاعتماد على محركات البحث والأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي بشكل مطلق، إنما يمكن الاستعانة بها كأداة ثانوية والتحقق دائماً من النتائج التي تقدمها والاعتماد على منهجية التحقق من المعلومات واستخدام أدوات تقييم المصادر